مدينة أردنية، وعاصمة محافظة جرش وأكبر مدنها. يقطنها قرابة 50,745 نسمة من أصل 237,000 ألف نسمة يقطنون المحافظة. تقع جرش في الجزء الشمالي الغربي من المملكة الأردنية الهاشمية، وترتفع عن سطح البحر قرابة 600 م. تبعد عن العاصمة الأردنية عمّان حوالي 48 كم. يتوسط المدينة نهر الذهب، بنيت فوقه جسور رومانية تربط بين شرق المدينة وغربها.
تعتبر جرش واحدة من أكثر مواقع العمارة الرومانية المحافظ عليها في العالم خارج إيطاليا. وحتى يومنا هذا، لا تزال الشوارع معمدة، والحمامات والمسارح والساحات العامة والأقواس في حالة استثنائية. داخل أسوار المدينة الباقية، عثر علماء الآثار على أنقاض لمستوطنات يعود تاريخها إلى العصر الحجري الحديث، مما يدل على الاستيطان البشري في هذا الموقع لأكثر من 7500 سنة.
بلغت المدينة أوج ازدهارها زمن الرومان في بداية القرن الثالث الميلادي، وخلال ذاك العصر الذهبي وصل عدد سكانها إلى قرابة الـ 20,000 نسمة. كما أن جرش كانت مزدهرة زمن الأمويين، إلا أن زلزال الجليل سنة 749 قد دمر أجزاء كبيرة من المدينة. وأدت الزلازل المتلاحقة أهمها زلزال دمشق سنة 847 إلى دمار اضافي اسهم في خرابها. مع ذلك، وفي بدايات القرن الثاني عشر، سنة 1120، كان في جرش حامية من أربعين جندياً تمركزوا هناك بأمر من أتابك دمشق ظاهر الدين طغتكين التابع للدولة السلجوقية. وكانوا قد عَمدوا إلى تحويل معبد آرتميس في المدينة إلى حِصْن، وفي سنة 1121، احتله بلدوين الثاني ملك مملكة بيت المقدس وقام بتدميره. ثم ما لبث الصليبيون أن هجروا جرش وتراجعوا نحو ساكب على حدودهم الشرقية.
بقيت جرش مهجورة إلى أن عادت للظهور مع بدايات العهد العثماني في القرن السادس عشر. وبحسب إحصاء عام 1596، كان عدد سكانها 12 خانة (أسرة / منزل) جميعهم عرب مسلمون، وكان هناك شخصان يعملان على خدمة المسجد والزاوية (مدرسة). لكن عمليات التنقيب في المدينة منذ العام 2011 تشير إلى أنه تم استيطان جرش قبل العهد العثماني، حيث ألقت عمليات التنقيب الضوء على فترة العهد الإسلامي المتوسط، وأسفرت عن اكتشاف عدد من المباني والفخاريات في الجزء الشمالي الغربي من المدينة والتي تعود إلى حقبة المماليك.
عام 1806، وصل الرحالة الألماني أولريش ياسبر زيتسن إلى جرش، وكتب عن الآثار التي شاهدها. هذا لفت أنظار العالم إليها، وبدأ الرحالة بزيارتها. وقد تم الكشف عن المدينة الأثرية من خلال سلسلة من عمليات التنقيب بدأت منذ العام 1925، واستمرت حتى يومنا هذا. من أبرز شخصياتها التاريخية الفيلسوف والرياضي الشهير نيقوماخس الجاراسيني.
كان العرب الساميون القدماء في الألفية الأولى قبل الميلاد قد أطلقوا عليها اسم جرشو (Garshu) ومعناه «مكان كثيف الأشجار». أما الإغريق فقد أسموها جراسا (Gerasa) وكان ذلك في الفترة الهلنستية، وكذلك كانت عند الرومان. ثم أعاد العرب تسميتها بـ جرش (Jerash)
ذكرت جراسا في بعض النقوش النبطية. وفي عهد السلوقيين كان يطلق عليها اسم (أنطاكيا الواقعة على نهر الذهب).
واسم جرش معروف عند العرب القدماء إذ حمل أكثر من موقع تاريخي هذا الاسم مثل جرش في جنوب السعودية.
استدل على وجود حياة بشرية في جرش تعود إلى العصر الحجري الحديث والعصر البرونزي.
ويعود تاريخ جرش إلى عهد العرب الساميين القدماء في الألفية الأولى قبل الميلاد، وكان اسمها (جرشو). في حين يعود تأسيس المدينة الرومانية إلى عهد الاسكندر الأكبر في القرن الرابع قبل الميلاد أو ما يعرف بالعصر اليوناني وكانت تسمى آنذاك بـ «جراسا» (باليونانية: Γέρασα) في تحريف لاسمها السامي أو (جرشو(
عاشت المدينة عصرها الذهبي تحت الحكم الروماني، ويعتبر الموقع في يومنا هذا عموماً واحداً من أفضل المدن الرومانية المحافظ عليها في العال
وتكشف جرش عن مثال رائع للتطور المدني عند الرومان في الشرق الأوسط؛ فهي تتألف من شوارع معبدة ومعمدة، ومعابد عالية على رؤوس التلال ومسارح أنيقة وميادين وقصور، وحمامات، ونوافير وأسوار تفضي إلى أبراج وبوابات. وبالإضافة إلى طابعها الخارجي اليوناني-الروماني، فإن جرش أيضا تحافظ على مزيج من الطابع الشرقي العربي والغربي في آن. إن هندستها المعمارية وديانتها ولغتها تعكس العملية التي تم فيها اندماج وتعايش ثقافتين قويتين وهما العالم اليوناني-الروماني في منطقة حوض المتوسط والتقاليد القديمة للشرق العربي
خضعت (جراسا) لحكم الروم الذين احتلوا بلاد الشام طيلة 400 سنة وأسسوا اتحاد المدن العشر المعروف باسم مدن الديكابوليس وهو اتحاد اقتصادي وثقافي فيدرالي يضم عشر مدن رومانية أقامها القائد بومبي عام 64 قبل الميلاد في شمال الأردن وفلسطين وجنوب سوريا لمواجهة قوة دولة الأنباط العرب في الجنوب.
وبسبب موقعها على ملتقى طرق القوافل تحولت المدينة إلى مركز تجاري وثقافي مزدهر لتصبح أهم مدن الاتحاد حتى أن الإمبراطور هادريان قد زارها بنفسه عام 130 ميلادي أثناء مسيره إلى احتلال تدمر.
وقد نمت ثروة جرش وازدهرت تجارتها وتوسعت علاقاتها مع الأنباط إلا أن خراب (تدمر) في الشمال على يد الروم واضطراب الأمن وتوسع الإمبراطورية الفارسية التي اجتاحت بلاد الشام وتحول طرق التجارة أصابت ازدهار المدينة وتقدمها في مقتل وادخلتها أسوأ مراحل تاريخها.
أدخل الرومان إليها الديانة المسيحية بحلول عام 350 ميلادي لتنتعش فيها لاحقا حركة تشييد الكنائس والاديرة التي دمر معظمها على يد الجيوش الفارسية.
وفى عام 635 ميلادي وصلت جيوش الفتح الإسلامي إلى جرش بقيادة شرحبيل بن حسنة في عهد الخليفة الثاني ليعود الامن والاستقرار إلى المنطقة كلها. و لتستعيد المدينة لاحقاً ازدهارها في العصر الأموي.
في العهد الأموي، ظهرت الدكاكين وسكَّت جرش عملتها النقدية بحيث ظهر على بعض القطع النقدية اسم مدينة الضرب "جرش" مكتوباً بالعربية. كما أن جرش كانت مركزاً للصناعات الخزفية، حيث ظهر على القطع اسم الصانع ومدينة الصنع "جرش" بالعربية. وكانت جرش تصدر هذه المصنوعات- بالإضافة إلى أفران الفخار- إلى المناطق القريبة في شمال الأردن. تم تشييد مسجد كبير في المدينة، وبقيت الكنائس تستعمل كدور للعبادة، مما يشير إلى التعايش الديني.
كتب عنها ياقوت الحموي (1178 - 1225) في كتابه معجم البلدان قائلاً: «جرش، هذا اسم مدينةٍ عظيمةٍ كانت، وهي الآن خرابًا. حَدّثَني مَن شاهدها، وذكر لي أنّها خرابة وبها آبار عاديّة تدلّ على عظمةٍ». فقال: «في وسطها نهرٌ جارٍ يدير عدّة رُحى عامرةً إلى هذه الغاية. وهي في شرقي جبل السّواد من أرض البلقاء وحوران، ومن عمل دمشق وهي في جبلٍ يشتمل على ضياع وقُرى. ويُقال للجميع جبل جرش، اسم رجلٍ، وهو «جرش بن عبد الله». ويُخالط هذا الجبل جبل عوف. وإليه يُنسب حمى جرش، وهو من فتوح شرحبيل بن حسنة، في أيّام عمر بن الخطاب»
نمت مدينة جرش بشكل ملحوظ خلال القرن الماضي، وما زالت تتوسع إلى اليوم. تركزت مباني المدينة في الجزء الشرقي، ومع تزايد الأهمية السياحية لها بسبب وجود الآثار الرومانية الهامة لوقوعها على أهم شريان مواصلات في الأردن المتمثل بطريق عمّان ـ اربد، توسع الزحف العمراني في كافة اتجاهات المدينة ليشمل الشرق والشمال والجنوب والغرب (مع الحفاظ على المنطقة الأثرية التي يحظر البناء فيها). ازداد التطور العمراني وعدد السكان بشكل ملحوظ في ثمانينيات القرن الماضي مما ساعد على زيادة أهمية المدينة، فتعددت الخدمات فيها وتطورت المدينة تدريجياً لتصبح على ما هي عليه اليوم.
وفقاً لإحصاء سنة 2015، فإن عدد سكان مدينة جرش بلغ نحو 50745 نسمة.
جميع السكان تقريباً هم من العرب، الغالبية منهم مسلمون مع أقلية مسيحية. وتوجد أعراق أخرى بنسب قليلة مثل الكرد والأرمن والشركس. كما يتواجد في مدينة ومحافظة جرش أعداد كبيرة من اللاجئين السوريين أتوا إلى جرش بعد الأزمة السورية بلغ عدده 10 آلاف لاجئ، في حين أن العدد الحقيقي للاجئين السوريين أكبر بكثير وقد يتجاوز الـ 30 ألفاً.
تحتل جرش المركز الثاني بعد البتراء في قائمة أفضل الأماكن المحببة للزيارة في الأردن. وهي تعد مدينة أثرية متكاملة. وفي أيامنا هذه يستطيع الزائر أن يتجول بين هياكل المدينة ومسارحها وحماماتها وشوارعها المبلطة ذات الأعمدة الشامخة والتي تحيط بها كلها أسوار واسعة النطاق. وقد عثر علماء الآثار في داخل هذه الأسوار على بقايا مستوطنات تعود للعصر البرونزي، والعصر الحديدي، ولعهود الإغريق والرومان والبيزنطيين والأمويين والعباسيين والمماليك.
يشار إلى أنه تم البحث في إدراج المدينة الأثرية بجرش في لائحة مواقع التراث العالمي في الأردن.
تزخر مدينة جرش بآثار عدة حقب تاريخية أكسبتها تنوعاً وجمالاً. ومن أبرز معالمها:
المسجد الأموي في جرش: يقع على إحدى زوايا تقاطع الشارع الرئيسي الكاردو Cardo مع الشارع الفرعي الديكمانوس Decumanus، أكتشف المسجد عام 2002 ميلادي، ويعود تاريخه إلى الربع الثاني من القرن الثامن ميلادي، ربما إلى فترة حكم الخليفة الأموي هشام بن عبد الملك (724 - 734 ميلادي) / (105-125 هـجري).
الحمامات الشرقية في جرش : الحمامات الشرقية والتي تحتضنها مدينة جرش شهدت خلال العقد المنصرم تطورا كبيرا من حيث الالتفات إلى المكان حيث تم شموله بمشروع تطوير جرش السياحي وقد تم تبليط ارضياته وساحاته الممتدة من الجسر الروماني إلى حيث شارع بور سعيد وأقيم على طرفه الغربي المطل على مجرى نهر الذهب مسرح يطل على تلك الفضاءات الرحبة الجميلة وعلى خاصرته تم ترميم واجهات المسجد الهاشمي الذي أمر ببنائه وتم تشييده في عهد الراحل الملك عبد الله المؤسس.
يعتمد اقتصاد مدينة جرش والمحافظة بشكل أساسي على الموارد البشرية وخاصة فئة المتعلمين. كما يعتمد على السياحة، بالإضافة إلى التجارة والصناعة. تقع جرش في موقع متوسط وعلى مسافة حوالي 40 كم عن كل من عمّان وإربد والزرقاء، وهي أكبر ثلاث مدن أردنية. ساهم موقعها الاستراتيجي في زيادة التبادل التجاري والنمو الاقتصادي.